مقالاتمقالات سياسيةمقالات فكريةمقالات مجتمعية

القانون الإطار وسياسة ذر الرماد في العيون

القانون الإطار وسياسة ذر الرماد في العيون

أحمد الريسوني

يلحُّ بعض شراح القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (51/17) على أنه يتضمن مكاسب هامة للغة العربية، تفوق ما انتُـزع منها..

ويقصدون بذلك ما جاء في بعض الفقرات من المادة الثانية والثلاثين، وهو:

  • “تقوم السلطات العمومية المعنية في إطار مخططات عمل لتنفيذ مبادئ ومضامين الهندسة اللغوية المشار إليها في المادة31 باتخاذ التدابير التالية:…”
  • –      “تنويع الخيارات اللغوية في المسالك والتخصصات والتكوينات على صعيد التعليم العالي، وفتح مسارات لمتابعة الدراسة باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، في إطار استقلالية الجامعات وحاجتها في مجال التكوين والبحث، حسب الإمكانات المتاحة”.
  • “إدراج وحدة دراسية تلقَّن باللغة العربية في المسالك المدَرّسة باللغات الأجنبية في التعليم العالي”.

وبغض النظر عن البون الشاسع والسحيق بين هذه الوعود الهلامية المكبلة بالاشتراطات من جهة، والإقصاءِ الشامل والناجز للغة العربية عن كافة المواد العلمية والتقنية في كل مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والتكوين المهني، من الجهة الأخرى.. فإن من المعلوم المجرَّب أن هذه العبارات الإنشائية في القانون الإطار ليست للتطبيق والتنفيذ، وإنما هي لذر الرماد في العيون، أي للتمويه والخداع، وللتعمية والتغطية.. وحتى إذا ما حاول أحدٌ أن يحركها للتطبيق والتفعيل، فسيجد من “يفشِّله”، حسب تعبير كاتب الدولة، بل سيجد حواجز كثيرة عند كل خطوة وكل حركة..

وإليكم ما يحضرني من أدلة وأمثلة لذلك..

أولا: جاء في (الميثاق الوطني للتربية والتكوين) المعتمد سنة 1999:

المادة 113- “ابتداء من السنة الأكاديمية 2000-2001 ، تحدث أكاديمية اللغة العربية، باعتبارها مؤسسة وطنية ذات مستوى عال، مكلفة بتخطيط المشروع المشار إليه أعلاه, وتطبيقه وتقويمه بشكل مستمر. وتضم تحت سلطتها المؤسسات والمراكز الجامعية المهتمة بتطوير اللغة العربية”.

المادة 114- “يتم تدريجيا, خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين, فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية، موازاة مع توافر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الكفاة”.

فأين هي أكاديمية اللغة العربية هذه، بعد عشرين عاما من قرار إحداثها؟!

وأين وصل فتح شُعب للتعليم العلمي والتقني باللغة العربية في الجامعات المغربية؟!

ثانيا: بعد (الميثاق الوطني للتربية والتكوين) المعتمد سنة 1999، جاء أول “قانون إطار” للتعليم العالي بالمغرب، وقعه الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، عطفا على الملك محمد السادس، وهو القانون01/00  (المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 25/5/2000)، فنص على ما يلي:

  • المادة1: يرتكز التعليم العالي على المبادئ الآتية:
  • يدرَّس وينمو ويتطور في إطار التمسك بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها….
  • يعمل على مواصلة تطوير التدريس باللغة العربية في مختلف ميادين التكوين (هذا في التعليم العالي طبعا).
  • المادة3: تناط بالجامعات المهام الرئيسية التالية:
  • المساهمة في تعميق الهوية الإسلامية والوطنية…

هذه المواد من ميثاق التربية والتكوين، ومن القانون 01/00، تشكل انطلاقة قانونية واضحة لعبور التعريب إلى الجامعة، ولتأسيس تعليم جامعي وطني، ولكن الانطلاقة الفعلية الحقيقية سارت – كالعادة – في الاتجاه المعاكس تماما..

ثالثا: جاء الدستور الحالي سنة 2011، فثـبّت اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة، ونص في الفصل الخامس على ما يلي: “وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها”. نعم هكذا: “وتنمية استعمالها”.

فأي تنمية لاستعمالها أنجزت منذ 2011؟

ألم تسِـرِ الأمور في الاتجاه المعاكس تماما؟ أي: تنمية استعمال كل ما سوى العربية، وتقليصُ استعمال العربية في مجالاتها المعهودة، لفائدة العامية الهجينة، ولفائدة الفرنسية..، إلى أن وصلنا أخيرا إلى “نظرية الانغماس في الفرنسية”..!

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى