ما قل و دلما قل و دلمقالاتمقالات أخرى

من أجل حداثة حقيقية (1) فصل الدين عن الدولة أم فصل العلمانية عن الدولة

من أجل حداثة حقيقية (1) فصل الدين عن الدولة أم فصل العلمانية عن الدولة

من أهم الأسس التي قامت عليها الحداثة الأوروبية، ((فصل الدين عن الدولة)) أو إخراج الدين من سلطة الدولة، والمراد بالدين في مفهوم الأوروبيين، والمسيحيين عموما، هو الكنيسة وسلطتها وممارستها. ولما كانت الكنيسة المسيحية قد أصبحت على مدى قرون وقرون رمزا للخرافة والطقوس الخرافية، وسلطة ضد العلم والعقل، وحليفا للظلم والظالمين، وشريكا للإقطاع والإقطاعيين، وسندا للاستبداد والمستبدين، وللحكام المتأهلين، وأداة للقمع والقهر وخصما عنيدا للحرية والتحرر السياسي والاجتماعي والفكري…

ولما كانت الكنيسة قد أصبحت تمثل هذا كله وتمارسه وتبرره باسم الدين، وباسم المسيح، كان لا بد لكل تقدم وتحرر ونهضة من المرور عبر”فصل الدين عن الدولة ” فجاءت العلمانية، أي لا دينية الدولة.

وبالرغم من كون الإسلام على النقيض تماما من المسيحية الكنسية وما آلت إليه، وعلى الرغم من خصائصه التجديدية والتحريرية التي تجعل الاجتهاد والتجديد عملية دورية ذاتية كلما وقع فيه وفي أهله جمود أو تحريف أو ركود، حتى إن تاريخ الإسلام والمسلمين قديما وحديثا لا يكاد يعرف حركة إصلاحية أو تجديدية أو تحررية إلا وكان وراءها الإسلام وعلماؤه وزعماؤه …

وبالرغم من هذا كله، فقد أبت الدول الاستعمارية التي احتلت معظم البلدان الإسلامية، إلا أن تزرع في هذه البلدان فكرة فصل الدين عن الدولة، زرعتها عمليا بقوة احتلالها و تحكمها ، و زرعتها ثقافيا و فكريا من خلال بعض أبناء البلد الذين تتلمذوا بمدارسها و لغتها وثقافتها، و جهلوا دينهم و ثقافتهم و دينهم و تاريخهم و حضارتهم، و منذ ذلك الحين و التيار العلماني ينمو ويتولى مقاليد الحكم تحت الرعاية المباشرة و الحماية المستمرة للدول الغربية، وهكذا تم تمكين عدد من الزعامات و الأحزاب العلمانية من الحكم -كليا أو جزئيا- في معظم الدول العربية و الإسلامية…

حصيلة التجربة العلمانية في الحكم و السلطة في العالم الإسلامي لم تكن سيئة و فاشلة فحسب،ولكنها كانت كارثة و مدمرة ،كما هو معروف و مشاهد و معايش ، بل لا أبالغ إذا قلت: إن الزعامات و الأحزاب العلمانية التي حكمت في العالم الإسلامي، قد قامت بأدوار شبيهة بما قامت به الكنيسة المسيحية في أوروبا في عصورها المظلمة الحالكة.

ولكم أن تستعرضوا تجاربهم حيثما حكموا أو شاركوا في الحكم في العالم الإسلامي..ولكم أن تستحضروا بعض صفحات من واقع الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق ونحوها من البلدان التي تسلط عليها العلمانيون الثوريون التقدميون الحداثيون…

خلاصة الأمر أن هؤلاء العلمانيين أفسدوا على الناس دينهم ودنياهم، ومحقوا حريتهم وكرامتهم، وانتهكوا عقائدهم وأخلاقهم، وصادروا حرياتهم وحقوقهم، ومارسوا الإلغاء والإقصاء في حق مخالفيهم، وارتكبوا كل أنواع التنكيل في حق منتقديهم ومعارضيهم. بل أكثر من هذا وصاروا تماما مثل الكنيسة يرون أن لا علم إلا ما يرونه علما، ولا تقدم إلا ما يعدونه تقدما، ولا حداثة إلا ما هم عليه، ولا ديموقراطية إلا ما يمارسونه (عافاكم الله)، وأن من شك أو شكك في هذا أو طعن فيه، أو قال بخلافه، فهو مارق من العصر وإنه لفي خسر…

وأنا بحكم تقديري لمبادئ الحداثة وتقديري لمنجزاتها الإيجابية في أوروبا  والعالم الغربي عموما، وبحكم تقديري وبصفة خاصة لما قامت عليه وقامت به من “فصل الدين عن الدولة” حينما وجدت نفسها أمام دين فاسد تستعمله كنيسة فاسدة، بتحالف مع أنظمة مستبدة.

وبحكم أنني أعيش وأرى ما فعلته العلمانية والعلمانيون ببلاد المسلمين، حيث لا نرى في ذلك سوى فكرة فاسدة بين زعامات فاسدة وأحزاب مستبدة، ولم نجن من هذه الفكرة وأصحابها لا حداثة ولا ديموقراطية ولا تقدما ولا حرية ولا أمنا، بل جنينا وتجرعنا كل أضداد هذه الأمور…

لذلك أرى أن مقتضيات الحداثة الحقيقية في بلادنا وفي العالم الإسلامي كله هي” فصل العلمانية عن الدولة” والحمد لله رب العالمين.

 (26/6/2003)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى