مقالاتمقالات أصولية

القرآن الكريم أصل الأصول

(القرآن الكريم أصل الأصول)

كل تشريع نحتاجه فأصله في القرآن :

أهم نقاط المقال:

من الأدلة على أن كل تشريع نحتاجه فأصله في القرآن ما يلي:

  1. قوله تعالى (ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)
  2. هذا العموم عرفي يؤول إلى أن يكون حقيقيا إذ في القرآن بيان لكل شيء مما يتناوله التنزيل إما على وجه التفصيل أو على وجه التأصيل.
  3. أن الفقهاء لقرون من الزمن لم يحتاجوا في أي مسألة إلى الالتجاء إلى أي تشريع آخر أو قانون بدعوى أنهم لم يجدوا لها أصلا في الكتاب أو في السنة.
  4. إقرار الإمام ابن حزم رحمه الله وهو إمام الظاهرية بأنه لا تجد مسألة فقهية إلا ولها أصل إلا مسألة القراض – نوع من الشركات يكون التمويل من أحد الشريكين والعمل من الشريك الآخر –
  5. للقراض أصل في القرآن لأنه نوع من الإجارة المذكورة لفظا في قوله تعالى(يا أبت استأجره) ومعنى في مواطن أخرى ولوروده في السنة التقريرية.

                                                  (إدارة موقع الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني)

نص المقال:

وقد عدد الإمام الشاطبي أدلة كثيرة على ذلك – على أن القرآن أصل الأصول – ولا سيما في المجال الفقهي وهو مجال كلامه، وكلامه في أصولِ الفقه، ومصادِر الفقه، فقال ما من حكم فقهي إلا وله أصل في القرآن وسَرَدَ على ذلك أدلة كثيرة فقال : ومن هذه الأدلة التجربة نفسها، ونحن نعرف أن الإمام الشاطبي كان يعيش في أواخر  القرن الثامن الهجري معنى هذا ثمانية قرون يتحدث عنها الشاطبي، يقول أمامنا تجربة ثمانية قرون، الأمة الإسلامية لم تحتج أبداً أن تَسْتَوْرِد تشريعاً ما، من دولة ما، كما أنها لم تقف عاجزة، ولم يقف فقهاؤها عاجزين في أي مسألة، لم يحدث أن قال الفقهاء المجتهدون جماعات أو فرادى. هذه المسألة لانجد لها حكما في الشريعة، فابحثوا عند الروم والفرس، أوعند نصارى أوربا أو عند كذا، لم يحصل أن عجزوا، لم يحصل أن أخذوا حكما من غيرهم.

يقول الإمام الشاطبي ومنها (أي من هذه الأدلة التي تدل على أن في القرآن كل شيء بالمعنى الذي ذكرت) التجربة قال [هو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا، وأقرب الطوائف من إعْواز المسائل النازلة أهْلُ الظواهر، الذين ينكرون القياس، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل]

 قال أقرب الطوائف التي كان يمكن أن تعجز عن الاستدلال على المسائل هم الظاهرية لأنهم ليس فقط يقتصرون على النصوص دُونَ إجماعٍ ولاقياس ولاأقوالِ صَحَابَةٍ، بل حتى من النصوص لا يأخذون إلا ما كان ظاهراً جليا صريحا ناطقا بنفسه، أي لا يتعمقون ولا يتأولون، ولايستنبطون ما خفي ولا يأخذون بمفهوم الكلام إلى آخره قال : كان من المفروض أن يعجز هؤلاء ويقولون هذه مسألة لا نجد لها في ظواهر القرآن والسنة دليلا، ومع ذلك قال ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن دليل في مسألة من المسائل، وقال ابن حزم الظاهري : [كل أبواب الفقه، ليس منها باب إلا وله أصل، في الكتاب والسنة نعلمه والحمد لله حاشا القِراض، فما وجدنا له أصلا فيهما البتة] فَكَأنَّ هذه مسألةٌ وحيدة، قال ابن حزم لا أجد لها أصلا لا في الكتاب ولا في السنة وهي مسألة القراض. والقراض هو نوع من الشركات يُعْطي أَحَدُ الشريكين مالاً ويُعْطي الآخرُ عَمَلاً، عَمَلَه البَدَنيَّ. واحِدٌ يعمل وواحدٌ يُمَوِّلُ. واحدٌ له رأسمالٌ وواحدٌ له العمل، هذا هو القراض، قال ابن حزم هذا لم نجد له أصلا في الكتاب والسنة ويستدرك عليه الشاطبي قائلا : [وأنتَ تَعْلَمُ أن القراضَ نوعٌ من أنواع الإجارة وأصْلُ الإجارة ثابتٌ في القرآن. وقد يبِّين ذلك إقرارُه عليه الصلاة والسلام وعمَلُ الصحابة].

لفرط ظاهرية ابن حزم لم يجد في القرآن والسنة شيئا اسمه القراض لكن مضمون القراض موجود والعبرة ليست بالأسماء والألفاظ، العبرة بالمعنى فإذا قال له الشاطبي، وقال لنا نحن : القراض نوع من الإجارة، فصاحب المال، استأجَرَ صاحبَ العمل، فأخذ هذا نصيبًا وأخذ هذا نصيبًا، فالقِراضُ في جوهره بِغَضِّ النظر عن اللفظ وعن الاصطلاح الخاص به نوعٌ من الإجارة، والإجارةُ ثابتةٌ في القرآن من ذلك (قالت يا أبت استأجره) إذن استئجارُ الإنسانِ بَذْلُ المال لإنسانٍ ليعمَلَ على مصلحة مشتركة تُقْتَسَم بكيفية من  الكيفيات هذا أمرٌ ثابت في القرآن، إذن فأصله موجود في القرآن، وأيدته السنة التقريرية وابن حزم بحث في السنة القولية، يبحث في : قال رسولُ الله.. قال رسولُ.. قال رسولُ.. فَلَمْ يجد. لكن القراض والإجارة في السنة التقريرية، بمعنى أن الصحابة كانوا يمارسون القراض. والرسول يرى ويسمع ويعيش بين ظهرانيهم فهذا إقرار منه وإقراره صلى الله عليه وسلم يصبح سنة تقريرية، إذن فالقراض موجود في القرآن وموجودٌ في السنة، أصل في القرآن، والسُّنَّةُ أقرتْهُ أي أقرتْ فِعْلَ الصحابة.

ثم قال الإمام الشاطبي :وعلى هذا لابد في كل مسألة، يراد تحصيل علم بها على أكمل الوجوه أن يُلْتَفَتَ إلى أصلها في القرآن.

 تستطيع أن تحصِّلَ مسألةً مَا مُباشرة من كلام العلماء، هذا تحصيلُ قاصِرٍ، فكل مسألة يقول الشاطبي يراد تحصِيلُ علمها على أكمل الوجوه، فانْظُرْ أَصْلَهَا في القرآن لتَكُونَ الخُطْواتُ العِلميَّةُ ثابتةً كاملَةً.

وهذا المعنى تضمنه القرآن الكريم ونبَّه عليه، أي شمولية القرآن، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، لكل ما نحتاجه في حياتنا وتفكيرنا، تضمنه القرآن في قوله تبارك وتعالى (ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)

 القرآن يقدم أموراً جاهزة تهديك إلى أمور تصل إليها بنفسك، في هذه الآية حتى نفهمها جيداً يقول أحد أئمة العلماء وأحد أئمة المفسرين الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور يقول موضحا هذه الآية، ولاسيما منها قوله تعالى (تبيانا لكل شيء) ما معنى تبيانا لكل شيء حتى لا نغلط في فهمها، وحتى لا نتقول ولانبالغ والمبالغةُ تجلب التشكيك، تشكك السامع عادة، فلا ينبغي المبالغة في شيء ولا الإفراط فيه يقول [وكل شيء، كلمة كل شىء هذا اللفظ يفيد العموم إلا أنه عموم عُرْفِيٌّ في دائرة ما تجيء لمثله الأديان والشرائع] إذن القرآن فيه تبيان لكل شيء لكن كل شيء مما هو عادةً تَنْزلُ له الرسالات والشرائع [من إصلاح النفوس وإكمال الأخلاق وتقويم المجتمع المدني وتبيين الحقوق وماتتوقف عليه الدعوة من الإستدلال على الوحدانية وصِدْق الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية ووصف أحوال الأمم وأسباب فلاحها وخسارها والموعظة بآثارها] إلى أن يقول  [وفي خلال ذلك كله أسْرَارٌ ونِكَتٌ من أصول العلوم (لا من تفاصيلها) من أصول العلوم والمعارف، صالحة لأن تكون بيانا لكل شيء. إن على وجه العموم الحقيقي، إن سُلك في بيانها طريقُ التفصيل واستُنِيرَ فيها بما شَرَحَ الرسول (ص)، وما سار عليه أصحابُه وعلماءُ أمته من بعده، ثم ما يعود إلى الترغيب والترهيب من وصف ما أعد للطائعين وما أعدّ للمعرضين، وَوَصْفِ عالم الغيب والحياة الأخرى، ففي كل ذلك بيان لكل شيء يقصد بيانه للتبصر في هذا الغرض الجليل] فيؤول ذلك -أي البيان إلى العموم العُرْفيِّ في البداية، وإلى العموم الحقيقي من حيثُ المنهَج ] -فيؤول ذلك العمومُ العرفيُّ بصريحِهِ إلى عُمُومٍ حقيقيٍّ بضِمْنِهِ ولوازمه. وهذا من أنواع الإعجاز].

إذن فيه بيان لكل شيء على نحو ما ذكرت من قبل : إما أمور بَيَّنَها بتفاصيلها وجُزْئِياتها، يقدم لنا حقائقها وأحكامها جاهزة، وإما أمور يعطينا أصولها وقواعد الوصول إليها، إذن إذا أدخلنا هذا وهذا صار العموم في قوله تعالى : “تبياناً لكل شيء” صار عموما حقيقيا لا يخرج منه شيء.

                                                                 _ د. أحمد الريسوني _

الموقع الرسمي لجريدة المحجة

1 فبراير, 1995  في العدد 23  

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى