حواراتحوارات صحفية

ضد التبعية العمياء..

أحمد الريسوني: يجب أن نقف دوما ضد التبعية العمياء بكل أنواعها ومجالاتها
التجديد نشر في التجديد يوم 25 – 03 – 2013

الدستور المغربي فتح الباب أمام المصادقة على التشريعات والمواثيق الدولية بشروط معينة، حيث لا تتم المصادقة عليها إلا بقانون، وتسمو آنذاك المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية في نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة، أليس هناك تخوف على قيمنا وهويتنا من الانفتاح على المواثيق الدولية؟


●● على كل حال نحن الآن مع الدستور الجديد أحسن من ذي قبل. نحن الآن على الأقل سنرى ونعرف هذه المواثيق قبل تمريرها، ستناقش علنا في البرلمان، وتمر أو لا تمر تحت مسؤولية الأحزاب، وتحت سمع الشعب وبصره. أما من قبل فقد كانت تمر من تحت الطاولة، وأحيانا في جنح الظلام، مع العلم أن المواثيق الدولية أكثرها وأكثر ما فيها مفيد ومرحب به. وكذلك الانفتاح على العالم، فهو أمر مقبول ومطلوب ولا محيد عنه، لكن الانفتاح هو غير الانسلاخ والانبطاح والإملاء الخارجي.


يعتبر التشريع مظهرا من مظاهر السيادة، يعكس قيما وهوية معينة. كيف تنظرون للقيم في علاقتها بالقانون؟ وكيف يمكن حماية القيم من خلال التشريع والقوانين التي عادة إما تحمي القيم أو تضعفها؟


●● في الدول المحترمة تعتبر قيم المجتمع هي منبع القوانين ومعيار السياسات، وتكون القوانين والتشريعات ترجمة عملية للقيم الثقافية والأخلاقية السائدة في أي مجتمع محترم. أما النخب الحاكمة أو المحكَّمة في بلاد المسلمين، فعادة ما تستمد قوانينها وسياساتها من جهات أخرى وراء البحر. ولقد كان المستعمر الأجنبي أكثر احتراما لقيم المجتمعات الإسلامية وأقل جرأة على انتهاكها وإنهاكها من خلفائه وحلفائه المحليين. النخب المتسلطة عندنا الظاهرة والخفية ، همها الأول هو تغيير ثقافة المجتمع وطرد قيمه ومبادئه، لصالح ثقافة «الآباء البِيض» وقيمهم ورغباتهم. ولذلك تجد القوانين والسياسات عندنا تقدم صورة مضطربة مشوهة، لا هي مغربية إسلامية، ولا هي غربية حقيقية. بل هي غُرابية ملفقة. وهذا يرجع إلى عدم اعتماد مرجعية المجتمع وثقافتِه وقيمِه.


ما العمل لتعزيز قيمنا وهويتنا سواء تعلق الأمر بمجال التشريعات الوطنية أو السياسة العمومية؟


●● من حيث المبدأ العام، يجب أن نقف دوما ضد التبعية العمياء بكل أنواعها ومجالاتها. التبعية تعني التبلد والعقم وانعدام القدرة على الإبداع، بل انعدام القدرة حتى على إدراك الذات وتقدير مؤهلاتها وكنوزها، هذا هو واقع النخب الفاشلة المتغربة قلبا وقالبا. فلذلك على النخب الوطنية الأصيلة المستقلة أن تضاعف جهودها والتحامها مع الشعوب وهويتها وتطلعاتها، وأن تظل وفية لشعار «الشعب يريد». هذا هو الطريق.


بعد صدور المخطط التشريعي، رأى البعض أن هناك غيابا لمشاريع القوانين التي كان يفترض أن تعزز وتحمي الكثير من المرتكزات القيمية المدسترة، منها مثلا مشروع قانون لحماية اللغة العربية، وكذا مشروع قانون حول تفعيل صندوق الزكاة، وغيرها من القوانين التي يفترض أن تعزز الهوية والقيم الوطنية، ألا تعتقدون أن السياسية العمومية الحالية فشلت في تثبيت مرتكزات القيم الدستورية؟


●● أنا الآن خارج المغرب لبعض الوقت، ولم أطلع على هذا المخطط التشريعي الحكومي المقدم للبرلمان. ولكن بناء على ما جاء في السؤال، يبدو أن الحكومة ما زالت تعطي الأهمية والأسبقية بقدر ما تسمع وترى وتتلقى من ضغوط محيطها القريب. يبدو لي كأنهم ينصتون ويستجيبون للضجيج الإعلامي والضغط النخبوي، أكثر مما يفعلون مع الشعب ومع «الأغلبية الصامتة».
لكني هذه الأيام قرأت شيئا جيدا ومبشرا، أرجو أن يكون له ما بعده، وهو انطلاق حوار وطني حول ومع المجتمع المدني. أعتقد أن هذا هو أهم جديد في الدستور الجديد ولدى الحكومة الجديدة. علينا أن نقول للمجتمع المدني، ومن خلاله للشعب المغربي: «ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك»، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والرشاد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى