أصحاب و تلامذة الأستاذ الريسوني

تدبر معرفي لمقاصد الزكاة

تدبر معرفي لمقاصد الزكاة

آدم الجماعي

الذمة مشغولة بالتكليف حتى تبرأ بفعل الواجب، فإذا أداه فقد زكاها. وهذه هي الزكاة الظاهرة بالمعنى العام.

وقد اشتهرت الزكاة بهذا الوصف في المال للتشويق واغراء أصحاب رؤوس الأموال، بتشريع أشبه ببرامج التأمين على الحقوق والمخاطر المادية لمستقبلهم ومستقبل أموالهم.. أمام الله سبحانه وتعالى.

فالذي يكتسب المال يصطحب معه نزعتين:
1- نزعة الكسب بالحرص والطمع والاستئثار والشح…

2- نزعة الإنفاق بالبذخ، والاسراف، والخيلاء، والبطر، والإقلال، والتبذير..

حول هذين يبدأ التطهير الإلهي في معادلة الزكاة المالية.. ليطهر أرباب الأموال من هاتين النزعتين في أعماق أنفسهم، فيطهر ذممهم وأنفسهم من:
1 – أوساخ الحرص الطمع، والشح…
2- أوساخ الترف والبذخ والتباهي…

فكان تطهير هذه الآفات النفسية هو أزكى من إخراج زكاة المال بتلك العادة السنوية الجافة.. حتى يتعامل معها بعض الناس كالمكوس والضرائب.. بمحاولة التهرب من أمانة النصاب الشرعي.

فالمطهرة للنفس مقصد وغاية، بينما تلك الحفنة المادية التي يتبرع بها هي وسيلة مجاهدة وتهذيب.

ونلتمس هذا عندما كانت زكاة الفقير وصدقته أفضل من زكاة الغني.. نظراً لزكاة النفس، فيسبق الدرهم مائة درهم، لأنه تصدق على حاجة وفاقة لطهرة النفس.

والتأمُّل لمعادلة الزكاة الشرعية للأموال، وقانون التطهير الإلهي للأغنياء والمزكين، من خلال هذه الأمثلة:

أولاً/
تطهير المال المكدس كل سنة من عفن الركود تحت قبضته خلال عام كامل
لأن ركود المال لن ينال حقه بتسخيره في قضاء الحوائج والانتفاع به مثل ما ناله المال المتحرك والتداول.
والتمويل في التصريف اللغوي من اشتقاقات المال.

فكان الحكم أن يزكي ماله، ويحرك بعضه ليكون دُولة بين الناس، وحتى لا يتكدس المال في خزائن الأغنياء، الذين أمسكوها خشية النفاد.
أو يتداولها الأغنياء في حاجاتهم دون أن تصل لطبقة الفقراء..
وأن يطهر المزكي نفسه من تضخم نزعة الحرص والكسب والتكنيز لأصوله، ورغبة المزيد من طمع المال دون أن يقضي به حاجته وحاجة غيره من الفقراء.

ثانياً/
تطهيره من شائبة الاحتكار والاحتيال لصفقات مادية على حساب ضرورات الناس وحاجاتهم.
وهو استشراف النفس في الربح بالمال لانتظار الطلب.. حتى يأتي اليوم الذي يضطر الناس للحاجة فيرفعها بكلفة وزيادة، ليتموّل بها مستغلاً ظروف الناس.

فهذا الشأن مما يتظلم منه الناس، ويقع في أنفسهم الحنق عليهم. وهذه المشاعر لا تذهب عند الله دون عدله وعقوبته. فكانت الزكاة والصدقة مطهرة لها.

ثالثاً/
الواقع يحكي لنا صورة متكررة بمستوى السوق اليومي، وهي أن سماسرة التجار في الأسواق يتنافسون على المال من الفقراء المتمولين بحاجاتهم اليومية، ثم يعطونها أرباب التجار لسداد التزاماتهم..!

فأراد الله أن يطهر الأغنياء بعملية منعكسة في العام ليأخذ المال من الأغنياء، ويعطيها الفقراء والمساكين ليقضوا بها حاجاتهم.

فهو تطهير للأغنياء من التنافس بما في أيدي الفقراء،وتشغيل أرباحهم بحاجاتهم.. باعتبار الفقراء شريحة استهلاكية طول العام.

رابعاً/
الفقير يملك من القناعة والرضا بقسمة الله، ما يجعله ينفق على حاجاته يومياً بسقف مالي لا يتجاوز النصاب خلال العام.
بينما الأغنياء مترفون، ولا يتوقف منصوب القناعة عند سقف.. كل هذا فوق خط النصاب.

فكان التطهير لهذا المال أن يقتطع جزءاً منه بقناعة وطيب نفس.. ليعطيه أهل القناعة والرضا فيلتمس بهم بركة القناعة والرضا التي يعيش بها الفقير.

خامساً/
هموم الفقراء محدودة بمأكلهم ومشربهم، وهي مرتبطة بالله ليكفيهم ما يسد حاجات اليوم واليومين حتى يلاقوا ربهم. فانقطعت بهم سبل موارد المال وكسبه لقلة ذات اليد، والحيلة.

بينما هموم الأغنياء قد ضمنوا هموم المأكل والمشرب! وانشغلت همومهم بأرصدتهم وسياراتهم وكمالياتهم فوق حاجاتهم.

فكانت الزكاة تطهيراً لهذا الهَمّ الشارد المتضخم في نفس الأغنياء.. حتى يعودوا ليحملوا المشاعر والهموم التي يعانيها الفقير.
ويعرف ذلك من يسلبه الله بركة مأكله ومشربه بالأسقام، فلم تغنه أمواله عن تعويضها.

فكم من مبتلى بداء السكر، والضغط، والقرحة.. أفسدت عليه الهناء بماله. فأصبح بعض الأغنياء عُمّالاً لجمع المال وفريقه، أو التجارة به.

وكم من فقير صحيح معافى يهنأ بخبزة واحدة، ويشكر الله على أجرة عمل يده في يومه، ويتلألأ وجهه بتباشير السعادة مع لقمة مباركة.

سادساً/
المال تعتريه لوثة المعاصي والآثام بكثرة الحلف، والتطفيف، والتغرير، ورفع السعر، والرشوة، وحجز الصفقات، وكسب ود المسؤولين، والمباهاة أمام الناس، والبطر، والمغالاة بالحسب، وغرور الجاه، والمباهاة ومنافسة الفقراء…

فكانت الزكاة تطهيراً للمال الذي خرج في هذه الآثام التي كانت إثماً عليه بذمته المالية بإخراج بعضه ليكون حسنة له.. فيتبع السيئة بالحسنة لعلها تكون كفارة.
وأولى من ذلك أن يشتري بالمال حسنة الدنيا بصدقاته ومعروفه وإحسانه وتواضعه.

سابعاً/
طالما يقتطع الأغنياء من أموالهم مبالغ لشراء الذمم بشهادة زور، أو تزوير تقارير العملية الحسابية لخفض الضرائب، أو رشوات التراخيص، أو الدعاية الإعلامية.. ؟!!
قد يكونوا أخرجوها لعلاقات ومجاملات ومباهاة وغرور..
ومنهم مَن أخرجها بباطل معلوم..! ليحتالوا في الزكاة، ومكائد المنافسة، ويرتبوا بها العلاقات مع رجال الدولة.. فيكونوا قد دخلوا في شبهة الكسب.

فشرعها الله ليأخذ بأيديهم إلى مَن له في أموالهم حق معلوم.. من أجل أن يجبروا بها خاطر الفقير، وقلب المسكين، وعاطفة الأرملة، ومشاعر اليتيم..!
وسيكون هؤلاء هم شفعاؤهم عند الله..

في الأخير/
الزكاة هي برنامج سنوي يعمل على تسوية نفسية الأغنياء المترفين مع نفسية الفقير المدقع.. بقانون زكاة المال.

فنفسية الفقير التي تنمو فيها القناعة، ويرتفع فيها رصيد الرضا بما كتبه الله، وتدور همومهم حول هبات سماوية بالبركة في الأبدان والأهل والكسب والمأكل والمشرب.

وتلك نفسية أخرى تتعذب بها أبدان الأغنياء مع الهموم والمخاوف من مخاطر الكساد والخسارة، ومعاناة الأمراض والأسقام .. عافى الله كل المسلمين.

ميزان النعمة/
قيل: الزكاة والصدقة شوكة ميزان النعمة.. فمن كسرها اختلت عليه الموازين فتختلط النعم بالنقم، والبلايا بالأموال، والأسقام بالمآكل والمشارب، والأتراح بالأرباح…

ومن نصَب ميزان الصدقة والزكاة نصب الله له جسور البركة، وحصنه بالسعادة والقناعة، وعَمَّر الله له دور الشكر والمفاخر والذكر الحسن..

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى