أصحاب و تلامذة الأستاذ الريسونيضيف الموقع

الروافد الفكرية للانشقاقات الحركية

الروافد الفكرية للانشقاقات الحركية

 منتدى الدكتور أحمد الريسوني

د.محمد الحبر

السبت 28/1/2022م

يكابد العمل الإسلامي منذ عقود واقعا تزدحم في أفقه مشكلات وتحديات جمة,,,

رأس هذه التحديات : النفوذ الغربي عسكريا واقتصاديا ومفاهيميا ، ويلي هذا حالة التمزق والانقسام التي تعيشها الأمة مرجيعا وفكريا.

العمل الإسلامي جزء من الواقع لم يبرأ من العلل النفسية التي أشار الحديث إلى أصولها (فإن رأيت هوى متبعا، وشحا مطاعا ، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه …)

سأقف على بعض القضايا الفكرية التي تباينت فيها الآرء ووقع بسببها نزاع داخلي بين الإسلاميين قاد إلى انشقاقات أو تراجع أو انعزال ، وكان يمكن لهذه القضايا أن تعالج من خلال منصات الحوار والمراجعات الداخلية ، لكن ذلك لم يحدث ، مما ضاعف من آثار المشكلة.

والاتجاهات الفكرية المعنية بهذه القضايا داخل التيار الإسلامي ، ثلاث اتجاهات :

1-اتجاه محافظ متقيد بمعهود الخطاب ، ومتمسك بما نشأ عليه من أعراف ونظم إدارية ومناهج تكوين، يقدم هذا التيار نفسه معبرا عن الأصالة ، وحاميا للعمل الإسلامي من الاتجاهات المنحرفة، لكن احتكاريته وتعسفه ، جعلت منه عبئا مرهقا ، رسالة د. بديع-فك الله أسره- المرشد العام ، لمسؤلي العمل التربوي ومطالبتهم بفتح آفاق الحوار ، وترك التنطع كافية لبيان ما أحدثه تعسفهم من تنفير وهدر للطاقات.

2-اتجاه وسط يؤمن بالحوار  والانفتاح على الآخر ، ويتسع صدره للمراجعة ، وله آراء اجتهادية معقولة لمعالجة مشكلات الواقع.

3-اتجاه –قليل العدد- متأثر بالمدرسة الحداثية ، ويرى أن المخرج من أزمة العمل الإسلامي إعادة النظر في الفكرة ومسلماتها ، حتى تتوأم مع الفضاء العولمي ، ولو أدى ذلك إلى انقلاب صريح على المقولات المؤسسة.

أما القضايا الفكرية التي أعرض لها بإيجاز ، وكانت محل شد وجذب وتنازع بين الاتجاهات الفكرية للإسلاميين فهي :

  1. أثر العصر ومتغيراته على القضايا الأصلية التي ندبت الحركة نفسها للدفاع عنها ، وتبنتها في خطابها وأدبياتها ومنها ( تحرير الأوطان) (مقاومة الاستبداد) ، تراجع خطاب الحركة عن هذه القضايا نتيجة عجزها ، وانتهت إلى صيغ جديدة فيها ، وهي الرضا بالمشاركة السلمية في ظل الاحتلال( الحزب الإسلامي العراقي)، مهادنة الطغيان الداخلي حرصا على الاستقرار. ونحن نعلم من نصوص الشريعة المستفيضة أن الاستطاعة شرط في القيام بالواجب ، وأن المكنة التي تخلو من مضرة راجحة أو مكافئة لا بد من توفرها ، ولكن حتى لا يتحول هذا العجز إلى أصل ، والاستثناء إلى نظرية ، -يرى آخرون –أنه لابد من إيضاح أن ما يجري به العمل الآن هو فقه استضعاف ، وتظل الكتابات الإسلامية للمفكرين والدعاة معبرة عن الموقف الشرعي الصحيح من هذه القضايا، ومتى استكملت المقاومة المجاهدة أركان عملها واستأنفت جهادها ضد المحتل ، كان العمل السلمي خادما لها ، وملبيا لمطالبها وليس خصما لها. وذلك حتى لا يقع المفكرون الإسلامييون المعاصرون فيما انتقدوه على الفقهاء المتقدمين الذين قيل عنهم إنهم ضحوا بالشرعية في سبيل المحافظة على الوحدة وعصمة الدماء، فأسسوا فقها تبريريا يسوغ للواقع بمنطق الضرورة.
  2. منهجية التغيير :

نشأت أجيال الإسلاميين مؤمنة بشمولية الإسلام (وهذا سر تميزها) ، وترى أن التغيير المنشود يجب أن يكون انقلابا شاملا على الأوضاع الجاهلية ، وفق رؤية تراتيبية تبدأ بالفرد وتنتهي باستاذية العالم، وخطها المرسوم لهذا التغيير لا يمر عبر انقلاب ولا صناديق اقتراع ولا انتفاضة ثورية ، ولكن بوجود الجماعة التي تمتلك القوة،وتجاهد في سبيل فكرتها. هذا التصور لم يعد الآن مطروحا فقد انتهت الحركات الإسلامية إلى استراتيجة جديدة تعزز فرص الاستقرار والتعايش والتدرج الإصلاحي، وتحولت جماعاتها إلى أحزاب لا تحمل اسماء إسلامية صريحة بل عناوين لقضايا تسيدت الموقف ،حزب العدالة  والتنمية(المغرب) ، التجمع الوطني للإصلاح والتنمية(مورتانيا)، الحرية والعدالة (مصر)،حزب العدالة والرفاهية (أندونسيا) ، العدالة والتنمية (تركيا). ولم تعد هذه الأحزاب الإسلامية تضع في برامجها المطالبة بتطبيق الشريعة أو إرشاد المجتمع وتزكيته ، واكتفت بذكر المرجعية الإسلامية ، وحصرت مهامها في قضايا سياسية، ومحاولات إبداع حلول لقضايا اقتصادية واجتماعية في أقطارها.

وهذا الخط الجديد كما يراه بعض منتقديه قد يفيد في مرحلة زمينة لتحقيق بعض الإنجازات ، لكنه لن يجنب هذه الأحزاب الإسلامية المواجهة مع القوى العلمانية ،ووكلاء الاستعمار المتغربين، وستواصل العمل على إقصاءها، ومها أبدت الأحزاب الإسلامية من مرونة فإنها ستخوض معارك مع خصومها لمواجهة الخطط الرامية لتغريب المجتمع عبر الاتفاقيات الدولية ، وادماج المرأة في التنمية ، وتغيير أنماط الأسرة التقليدية.

  • موقع الدولة أو السلطة السياسية في رؤية الإسلاميين

ومما تباين فيه اتجاهات الإسلاميين الموقف من الدولة ، هل هي مجرد وسيلة ، نتداولها مع غيرنا ؟ أم غاية يجب أن نصل إليها ، ونأثم بالتقاعس عنها؟ وهل للدولة وظائف دينية في تعزيز الهوية وحماية الدعوة ، أم وظيفتها خدمية تنموية؟ جرى تداول كثيف بين الإسلاميين في هذه القضايا ، وترجحت كفة السير في المسار الديمقراطي ، والرضى بمالاته، لكن هذا المسار وإن بدا لأول وهلة مأمونا ، إلا أنه تحيط به تحديات منها : تباين مفهوم الديمقراطية عند الإسلاميين أنفسهم فمنهم من يدعو إلى ديمقراطية في ظل مرجيعة الأمة كما في الوثيقة التي صدرت عن التيار الإسلامي في مصر ، ومنهم من يريدها ديمقراطية بلا قيد أو شرط أو مرجيعة عليا. التحدي الثاني ما هو البديل عن هذا المسار إذا استمرت الجيوش والقوى العلمانية المستقوية بالخارج في سياسة رفض نتائج الانتخابات والانقلاب عليها ومحاصرة التيار الإسلامي، ومن التحديات أيضا أن الديمقراطية لم تعد عند الغرب مجرد وسيلة أو آلية للوصول إلى السلطة ،بل فلسفة تحمل قيم الحداثة المغايرة لهوية الأمة، وزيادة على هذا فإن الديمقراطية لا تملك حلا لمشكلات الواقع المأزوم (التخلف ، الفقر ، الانقسام ، التنمية..الخ) فهل نضجت تصورات الإسلاميين لمعالجة هذه القضايا ؟ أم سيخوضون الانتخابات للوصول إلى السلطة ثم تحيط بهم المشكلات فتنتهي تجربتهم إلى فشل؟   

  • من العالمية إلى القطرية

الإيمان بمبدأ العالمية ، تناصرا وتعاونا وتنسيقا ، كان هو السمت المميز للحركة الإسلامية ، ومع مرور الوقت ، تراجع هذا المبدأ في نفوس المؤمنين به لأسباب متعددة ، منها محاصرة الحركة الإسلامية وتقييد حركتها في معظم الأقطار ، وتتابع التحديات الداخلية، كما أن العمل العالمي لم تتطور مؤسساته التربوية والتعلمية لتكون فكرته جاذبة ومجدية.

والحدث السياسي الكبير –المتصل بهذه القضية – وأدى لشرخ نفسي بين مكونات العمل الإسلامي العالمي لأول مرة في تاريخنا المعاصر ، وهو غزو العراق للكويت 1991م وما تلى ذلك من أحداث، بعد أن كانت القضايا السياسية الكبرى عامل وحدة واجتماع.

لقد تعزز الشعور بالقطرية عند كثير من العاملين للإسلام بحجة خصوصية الواقع الذي يتحركون فيه ،وحرصهم على مصلحته ، وغيب هذا التوجه مصالح عليا للأمة وللعمل الإسلامي، وكان من آثاره الضارة ما لحق بحركة الجهاد الإسلامي الأرتري بعد أن تخلى عنها السودان وحدد لقيادتها خيارات صادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى