مواقف

كلمة “البربر”: تسمية بريئة نظيفة، ولكن..

كلمة “البربر”: تسمية بريئة نظيفة، ولكن..


ذ. أحمد الريسوني
قبل الإسلام بمدة طويلة أطلق العرب على السكان القدامى بشمال إفريقيا اسم “البربر”. وظلت هذه التسمية مستعملة قبل الإسلام وبعده، بكل براءة وتلقائية، إلى أن تم في هذا العصر إشعال فتيل النعرات الإيديولوجية المشحونة بالكراهية والروح العدائية المتشنجة..
وقد ذكر المؤرخون عدة أسباب وعدة معان لاستعمال العرب اسم البربر.. وكلها بريئة نقية من أي معنى قدحي..
وعلى هذا الأساس سمى العلامة المؤرخ ابنُ خلدون كتابه الموسوعي (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر).
فالذين يريدون محو اسم “البربر” وحذفه من التداول، كأنما يريدون محو البربر من التاريخ.
ومن الأسباب المحتملة لاستمال اسم البربر، ما نقله ابن خلدون في تاريخه، وهو أن “أفريقش بن قيس بن صيفي – من ملوك التبابعة – لما غزا المغرب وإفريقية، وقتل الملك جرجيس، وبنى المدن والأمصار، وباسمه زعموا سميت إفريقية، لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوّعها تعجب من ذلك، وقال: ما أكثرَ بربرتكم فسموا بالبربر. والبربرةُ بلسان العرب: هي اختلاط الأصوات غير المفهومة، ومنه يقال بربرَ الأسدُ، إذا زأر بأصوات غير مفهومة”.
ولكن الرومان، غزاة شمال أفريقيا قديما وحديثا، استعملوا اسم البربر في سياق استعلائهم وتحقيرهم للشعوب المستعمَرة، فأعطَوه معنى الهمجية والوحشية، وبهذا المعنى صاروا يطلقون أوصاف: بربر، وبربري، وبرابرة. فجعلوا البربر – الشرفاء الأحرار – نموذجا ومرادفا للتوحش والانحطاط والبهيمية، (ظلماً وعُلُوا).
فلما جاء أصحابنا “التامَزبغيست الجدد”، ظنوا – خطأ أو عمدا – أن هذه المعاني المستبشعة هي المعاني الأصلية لكلمة “البربر”، وبذلك تحاشوا توجيه التهمة لأصحابها، وهم الرومان القدامى والمعاصرون، وأعجبهم إلصاقها بالعرب والمسلمين..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى