مواقف

جنرالات الحزب.. لماذا انسحبوا..؟

جنرالات الحزب.. لماذا انسحبوا..؟


أحمد الريسوني
قضيتُ بالمغرب سبعة أسابيع من هذا الصيف (صيف 2023)، وبعد رجوعي للعمل بقطر، التقيت بصديق لي من بلد عربي، وهو محبٌّ للمغرب، وصاحبُ اهتمام دقيق بأهله وبشؤونه..
وبعد المقدمات المعتادة، بادرني بالسؤال: من لقيتَ من أصدقائنا بالمغرب؟ قلت: لقيت الكثيرين.. قال: هل لقيت الأخ الفلاني؟ قلت: لا. قال: وفلان؟ قلت حتى هو لم أره. قال: والوزير فلان؟ فقلت له ضاحكا: بصراحة أنا لم ألتق بأي واحد من “الجنرالات”، ولا بأي وزير أو وزيرة.. فقط ذهبت إلى منزل الوزيرة الشهيدة سمية بنخلدون لتعزية الأسرة ومواساتها، والترحم على الفقيدة الصامدة..
استغربَ صديقي مما قلته، أو لعله استنكره في نفسه.. فبادرته بالتوضيح قائلا: أنا لقيت الكثيرين من أعضاء الحركة؛ من قيادييها وشبابها، ومن مختلف أعضائها ومسؤوليها. ولكنَّ الإخوة الذين تسألني عنهم لم أجدهم – كما هو متوقع – ضمن من التقيت بهم.. فلذلك لم تتيسر لي رؤيتهم.
وبعد أيام قليلة زارني صديق مغربي، وسألني: لماذا وزراء الحزب كلهم تقريبا قد انسحبوا وانكمشوا؟َ!
ثم وصلني أخيرا مقطع فيديو للأخ الجليل، الداعية المربي، الدكتور محمد عز الدين توفيق، يتحدث فيه عن وجوب المرابطة والثبات على ثغور التدين والدعوة والجهاد، ويتحدث عن نقائض المرابطة؛ وهي: الانسحاب والانقطاع والفرار والتخلي..
قلت في نفسي: يبدو أن الأمر جد وما هو بالهزل. وفكرت فيه طويلا..
فأما الانسحاب من الحزب، ومن العمل السياسي والإصلاح السياسي، فهذا وجدت له بعض التفسيرات المحتملة، ولو أنها تبقى غير مقنعة.. ولكن في عالم السياسة دائما تقع أمور “غير منطقية وغير مفهومة”، أو على الأصح: مفهومة وغير منطقية!
أما الانسحاب الكلي من العمل الإسلامي، الدعوي والثقافي والتربوي والعلمي والإعلامي، فقد حيرني أمره، ولم أجد له جوابا ولا شبهَ جواب.. وخاصة عندما يتعلق الأمر برواد وقياديين.. لقد كانوا – وكُنَّ – ملءَ السمع والبصر، ولكن اليوم: [هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا].
أنا أعتقد – وهم يعلمون – أن “المغادرة الطوعية” لا أصل لها ولا مكان لها في هذه المجالات الدينية والتعبدية.. قال الله عز وجل {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [اسورة لحجر: 97 – 99].
ونتذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (عرفتَ فالزم). فمن أنعم الله عليه؛ فعرف وفهم، وعاين وجرب، ينبغي أن يكون أجدر وأقدر على الثبات والصمود حتى لقاء الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
ونستحضر كذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يتوقف عن الدعوة، وظل يوصي ويوصي، ويتفقد ويأمر، ويرتب ويوجه، حتى وهو على فراش الموت..
وعموما فهذا هو نهج الأنبياء وطريقهم.. {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سورة البقرة: 132، 133]

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى