أخلاقيات

الاختلاف المتكامل

الاختلاف المتكامل 

من المظاهر التي تحتاج إلى كثير من التأمل فيها والاعتبار بها: ظاهرة الاختلاف والتنوع والتعدد في هذا الكون. فكم في أرجائه وأحشائه من أنواع وأجناس وأصناف وأشكال وأحجام وألوان ولغات ولهجات وروائح ومذاقات…؟؟ بل إن الناظر في المشهد الواحد أمامه ليعجز أن يحيط بما فيه من تلك التنوعات والتشكلات اللامتناهية.

ومعلوم أن جماعة الملحدين – لفرط ذكائهم وعبقريتهم – أدركوا أن ذلك كله من جملة الإبداعات التي صنعتها الصدفة والعشوائية الكونية، أي الفوضى الخلاقة، ولله في خلقه شؤون.
أما القرآن الكريم فيلفت الانتباه مرة بعد أخرى إلى أن كل فرد وكل عينة من هذا التنوع إنما هي آية من آيات الله. قال تعالى: (وَهوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) [الرعد: 3، 4]. وقال أيضا: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم: 22]، (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [يونس: 6]

المهم أن الكون كله، في كل شبر من أرضه وسمائه، ومن بَره وبحره، يعج بالتنوع والاختلاف، ولكنه مع ذلك سائر في نظامه وسننه، ماضٍ في أداء واجباته، لا يضيق بعضه ببعض، ولا يضجر بعضه من بعض، بل حتى ما نعتبره نحن كائنات طفيلية ونباتات طفيلية، تعيش وتتوالد، وتتغذى وتتمدد، دون شكوى أو أذى، إلا ما قد يأتيها من بعض بني آدم.

فهذا التعايش والانسجام والتكامل، في ظل اختلاف لامحدود وتنوع لامتناهٍ، ينبه الإنسان إلى قيمة كونية بالغة الأهمية والفائدة لحياته وعلاقاته بمختلف مستوياتها ومجالاتها.
إن الكون كله يقول لنا: يا بني آدم، استمتعوا بتنوعكم، وتكاملوا باختلافكم، في ظل النواميس الحكيمة المحكمة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى