ومضات

القنوت لأجل العلماء المظلومين


أ.د أحمد الريسوني
تناقلت وسائل الإعلام ما ذكره الدكتور عبد الله العودة، بأن والده الشيخ سلمان العودة قد فقد نصف سمعه وبصره بسبب السجن الانفرادي الذي يوجد فيه منذ عدة سنوات، بالمملكة السعودية.
وكان العلامة والمفكر الإصلاحي، داعية الرفق والتسامح، الشيخ سلمان العودة، قد تعرض للاعتقال سنة 2017، على إثر تغريدة دعا فيها لحكامِ بلده ولحكام قطر، بالخير والتآلف والتسامح والتصالح، بعد الحصار الذي كان حكام السعودية والإمارات قد فرضوه على أشقائهم وجيرانهم في دولة قطر.
وبعد حوالي سنتين من الاعتقال سربت السلطات السعودية قائمة طويلة من التهم الموجهة للشيخ العودة.. وهذا يعني أن الاعتقال تم في البداية بدون أي تهمة، وفي غضون سنتين تم طبخ التهم وفبركتها وإخراجها عبر وسائل الإعلام، بينما المفروض أن التهم تسبق أي اعتقال، وتعلن بالتزامن معه!!
ومنذ تسريب التهم السبع والثلاثين، ها هو الشيخ ما زال حبيس معتقل يُفني عمره وصحته، دون أي محاكمة، لا حقيقية ولا مسرحية.
وفي وضعيةٍ مثلِ وضعية الشيخ سلمان، يوجد مئات من المعتقلين الأبرياء، من الدعاة والعلماء والمفكرين والحقوقيين، وحتى من النساء اللواتي يحاكمن بتهمة الإرهاب! والإرهاب المقصود هنا هو مطالبتهن ببعض حقوق المرأة!
ومعلوم أن عددا من العلماء قد قضوا نحبهم تحت التعذيب، أو تحت وطأة الظروف القاسية القاتلة، التي يعيشونها في معتقلاتهم الانفرادية، ومنهم من يسيرون حتما نحو هذا المصير..
إن ما يجري في مملكة الظلمات من تجبر ووحشية، وتسلط واستعباد، قد أصبح شيئا يخجل منه قدماء الفراعنة، ويخشون أن يحسب عليهم، أو أن يعدَّ اقتداء بهم وبسنتهم..
والعجب كل العجب أن يصرَّ هؤلاء الطغاة المتوحشون، على تلويث الإسلام بالانتساب إليه والتمسح به، وهم أبعد الناس عنه، وأشدهم نكاية به وتمسكا بضده.
فالإسلام رأفة ورحمة، وهم نقمة في نقمة.
الإسلام نور على نور، وهم ظلمات بعضها فوق بعض.
الإسلام عدل وإحسان، وهم ظلم وعدوان وطغيان.
الإسلام رقة ورفق، وهم غلظة وعنف.
الإسلام حرية وكرامة، وهم كل يوم يذبحون الحرية ويشنقون الكرامة.
في صحيح الإمام مسلم، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: «اعلم أبا مسعود، لَـلَّـهُ أقدر عليك منك عليه». فالتفتُّ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، هو حـرٌّ لوجه الله. فقال «أمَا لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار».
صحابي يضرب غلاما مملوكا له، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقف عليه، يحذره ويتوعده.. وإذا به يكاد أن تلفحه نار جهنم، لولا أن سارع إلى عتق الغلام وتحريره، فعوضه بأضعاف أضعاف ما ناله من الضرب!
فأين هذا مما يجري في مملكة آل سعود ومعتقلاتهم: نساء كريمات، وعلماء أحرار، ودعاة أبرار، أتقياء أبرياء، يعذبون حتى الموت، أو يسجنون حتى الموت، وإن لم يموتوا ذاقوا حياة هي أسوأُ من الموت.
فلذلك لم يبق لنا إلا أن نجأر إلى الله بالدعاء والرجاء، أن ينزل رحمته ولطفه وفرجه لهؤلاء المظلومين المنكوبين المعذبين، وأن ينزل نقمته وعقابه بالطغاة الظالمين.
لقد حق علينا ان نَـقنُت وندعو كما فعل نبينا صلى الله عليه وسلم..؛ فهو عليه الصلاة والسلام قنت ودعا على من قتلوا مجموعة من أصحابه، من الدعاة الناصحين، معلمي الناس الخير.. ونحن كذلك نقنت وندعو على من يقتلون ويسجنون ويعذبون مجموعات من أتباعه صلى الله عليه وسلم، من العلماء والدعاة والمربين والناصحين والمصلحين..، أينما كانوا.
ففي الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قنت شهرا بعد الركوع، يدعو على أحياءٍ من بني سليم. قال: بعث أربعين أو سبعين – يشك فيه – من القراء إلى أناس من المشركين، فعرض لهم هؤلاء فقتلوهم. وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد. فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم.
فالقنوتَ القنوت.. والدعاءَ الدعاء..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى