ما قل و دلما قل و دل

الحركة الإسلامية و التاريخ الذي لم يقع

  بسم الله الرحمن الرحيم
(أهم الملامح)   التاريخ الذي لم يقع !! يقول الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني: أعني بالتاريخ الذي لم يقع في موضعنا، ذلك المسار الذي كان من المفروض أن يسلكه وتسير فيه الأحداث والتطورات لولا ظهور الحركة الإسلامية ولولا تأثيراتها منذ مطلع السبعينات. أهم ملامح التاريخ القريب (خلال فترة الستينات إلى منتصف السبعينات): 1-سيطرة التوجهات الإلحادية واللادينية. ماذا لو استمرت تلك السيطرة إلى يومنا هذا؟ 2-تأثر الأحزاب المغربية بالموجة اللادينية. ماذا لو استمرت تلك السيطرة إلى يومنا هذا؟ 3-محاربة العلماء ماذا لو استمرت تلك السيطرة إلى يومنا هذا؟ 4-شيخوخة تدين المجتمع الفعلي: ماذا لو استمرت تلك السيطرة إلى يومنا هذا؟ جاءت الحركة الإسلامية فأربكت وغيرت هذه المسارات السوداء ولكن المعركة لا زالت قائمة والله غالب على أمره. 
لا تنسوا أن الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني قال يوما: وضع الحركة الإسلامية في الميزان لا ينبغي أن يتركز وينحصر في رصد النقائص والسلبيات، ولا ينبغي أن يتحول من النقد الذاتي إلى الجلد الذاتي، بل ينبغي أو يتم على منهج التوازن والعدل والإنصاف، وذلك بإبراز المحامد والمآخذ على حد سواء، امتثالا لقوله تعالى { وإذا قلتم فاعدلوا} ، وقوله : {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } وقوله { والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}                                                      (إدارة موقع الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني)

نص المقال:
الحركة الإسلامية والتاريخ الذي لم يقع لقد رحبت بالفكرة التي اقترحها الإخوة في هيئة التحرير بجريدة “التجديد” بفتح نقاش تقويمي عن الحركة الإسلامية المغربية، باعتبار ذلك عملا ضروريا لترشيد هذه الحركة وتطوير أدائها وإصلاح مواطن الخلل والتخلص من مظاهر الزلل في مسيرتها. غير أن وضع الحركة الإسلامية في الميزان لا نبغي أن يتركز وينحصر في رصد النقائص والسلبيات، ولا ينبغي أن يتحول من النقد الذاتي إلى الجلد الذاتي، بل ينبغي أن يتم على منهج التوازن والعدل والإنصاف، وذلك بإبراز المحامد والمآخذ على حد سواء، امتثالا لقوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا)، وقوله (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) وقوله كذلك (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان).
فعلى هذا الأساس أحببت أن أسهم، مع بداية هذا النقاش، بما يمكن أن يعزز انطلاقته السليمة وسيره المتوازن البناء، وذلك بالتنبيه على جانب من الموضوع قلما يتم الانتباه إليه وأخذه بعين الاعتبار في تقويم الأحداث والحركات، وهو ما أسميته ب “التاريخ الذي لم يقع”. وأعني بالتاريخ الذي لم يقع في موضوعنا، ذلك المسار الذي كان من المفروض أن يسلكه وتسير فيه الأحداث والتطورات لولا ظهور الحركة الإسلامية ولولا تأثيراتها منذ مطلع السبعينات.
ولكي نستحضر في أذهاننا ونستوعب في تفكيرنا “التاريخ الذي لم يقع” خلال الثلاثين سنة المنصرمة، علينا أن نتذكر ونستحضر ملامح الحالة المغربية خلال فترة الستينات إلى منتصف السبعينات، وهي كما عشتها ووعيتها تتلخص كما يلي:


1ـ سيطرة التوجهات الإلحادية واللادينية على النخبة المثقفة.


ولا أعني أن عامة المثقفين أصبحوا ملاحدة أو لا دينيين، ولكن الإلحاد واللادينية أصبحا حركة مهيمن وطاغية على الطبقة المثقفة وعلى المناخ الثقافي، وخاصة في المؤسسات التعليمية، وبصفة أخص في الجامعة.
لقد التحقت بالجامعة في السنة الدراسية 72-73 ووجدت فيها فكرة وعقيدة طلابية تقول “الاتحاد الوطني هو الممثل الشرعي والوحيد للجماهير الطلابية” ولكن الذي اكتشفته فيما بعد عند “الأوطميين” (1) هو أن الماركسية يومئذ كانت هي الدين الشرعي والوحيد، المسموح به في الجامعة المغربية. وبمقتضى هذا الدين كان يمنع الآذان وتمنع الصلاة، ويهاجم ويطرد من يقول “باسم الله الرحمن الرحيم”، وقس على ذلك… لقد استسلمت الجماهير الطلابية وانساقت أو سيقت مع موجة الإلحاد والماركسية، ومع الأفكار والمعتقدات واللادينية عموما. وكان هذا حاصلا أيضا في صفوف الأساتذة. وأصبح المتدينون-إن وجدوا- متخفين وخائفين، لأنهم إن عرفوا سيسبون ويلعنون، ويتهمون ويحاكمون، ويوصفون بالرجعية والعمالة، وبعرقلة التقدم والتقدمية، وبترويج أفيون الشعوب…
تحت هذه السطوة وهذه السيطرة تربت وتخرجت أفواج وأفواج، فاحتلوا مواقعهم في كافة الإدارات والمؤسسات العمومة التي كانت مبتدئة وفارغة. وبواسطة هؤلاء الخريجين انتقلت السيطرة والسطوة إلى المؤسسات التعليمية، وأصبح الإلحاد الثوري موجة وموضة في الثانويات، ينشرها الأستاذ والبرنامج الدراسي والكتاب المدرسي …
تصوروا معي التاريخ الذي لم يقع، ماذا لو استمر الأمر على هذه الحال وعلى هذه الوثيرة إلى الآن، أي حوالي ثلاثين سنة أخرى؟ 
هذه واحدة.


2ـ الأحزاب المغربية، التي كانت في بداياتها مغربية حقا، أي مسلمة وإسلامية، هي أيضا خضعت للموجة اللادينية وتأثرت بها وسارت في ركابها، على تفاوت في ذلك إلا من رحم ربك. وقد تمثل ذلك خاصة في الأحزاب والتنظيمات الشيوعية والاشتراكية، فتناسلت و تنافست في هذا الاتجاه. وبعض الأحزاب الأخرى بدأت تتملص وتفك الارتباط ومع شعاراتها وخطاباتها الإسلامية.
ويمكن هنا أن أشير إلى التجربة البئيسة لحزب الشورى والاستقلال. وقد حكى الأستاذ إدريس الكتاني حفظه الله عن تجربة الانتقال إلى اللادينية لدى هذا الحزب، وذلك في كتابه القيم “المغرب المسلم ضد اللادينية”. 
تصوروا معي، ماذا لو استمرت الأحزاب المغربية تتحول وتسير في هذا الاتجاه؟ ولكن هذا لم يقع.
هذه ثانية.


3ـ لقد حورب العلماء -حماة العقيدة والشريعة ودعاة الدين والتدين- حوربوا حربا شرسة وقذرة، وحوصروا وهمشوا، وغلبوا على أمرهم واستسلموا. 
وتوقف تقريبا تكوين علماء جدد (2). وهكذا دخل العلماء الذين صنعوا المغرب وحكموه على مر التاريخ. في طور الانكماش والانسحاب والانهزام. وأصبح انقراضهم، أو انقراض دورهم مسألة وقت، هو على كل حال ليس بالطويل. هكذا كان الأمر يسير.
تصوروا معي أن ماذا لو استمر هذا الوضع وسار نحو نتيجته المحتومة، ماذا لو لم تأت الصحوة الإسلامية التي قلبت المسار؟
وهذه ثالثة.


4ـ التدين الفعلي في المجتمع، كان آخذا في الشيخوخة والذبول. لقد أصبح التدين سلوكا متلاشيا، وروتينيا تقليديا، وشأنا من شؤون الشيوخ، أو بعض الكهول بنسبة أقل. أما تدين الشباب وخاصة منهم المثقفين، فقد كان آخذا في التراجع متجها نحو الاختفاء. و باختصار، جاءت الحركة الإسلامية فقامت بعمل لا يعلم قدره وفضله إلا الله تعالى. لقد قامت بتشبيب التدين، و بتجديد التدين، وبنفخ الروح في التدين. وبدأ الشباب بالمئات وبالآلاف يعودون إلى عقيدتهم وإلى ربهم وإلى دينهم وثقافتهم بعد أن اجتالتهم الشياطين.
تصوروا معي ماذا لو لم يقع هذا؟ ماذا لو استمر المسار الآخر؟ ماذا لو وقع التاريخ الذي لم يقع؟
هذه المسارات كلها وأخرى غيرها، كانت قد قطعت أشواطا، وأصبحت جزءا بارزا من واقع المغرب ومن تاريخ المغرب. وكان من الطبيعي جدا أن تستمر وتمتد وتشتد، لولا لطف الله، ولولا دعاء من دعوا ويدعون “اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير”.
وباختصار مرة أخرى: جاءت الحركة الإسلامية فأربكت وغيرت هذه المسارات السوداء، ولكن المعركة لازالت قائمة. والله غالب على أمره.
**********
كانت جريدة “التجديد” قد دشنت في بدايات إصدارها اليومي سلسلة من المقالات حول الحركة الإسلامية في المغرب تقويما وترشيدا تحت عنوان “الحركة الإسلامية في الميزان”، وشارك فيها نخبة من الكتاب والمهتمين، وهذه هي مساهمة الدكتور أحمد الريسوني (مدير الجريدة آنذاك).
(1) نسبة إلى “أوطم” الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الهيئة التي سيطر عليها الشيوعيون واليساريون حينا من الدهر فحاربوا واضطهدوا كل أشكال الدين والتدين في الوسط الطلابي.
(2) لم تكن أنئذ لا دار الحديث الحسنية، ولا شعب الدراسات الإسلامية، وكانت القرويين أقرب إلى الموت منها إلى الحياة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى