خاطرة: بين العامي والداعية
الأول :يُسمّونه عامياً !
يأكل من عرق جبينه، إذا حَضَرَ لم يُعرَف ، وإذا غَابَ لم يُفتَقَد، فهو لايُحْسِن تنميقَ الكلامِ، ولايحفظ أسماءَ الأَعْلامِ، ولاتَحوي ذاكرتُه المهترئة نصوصاً من الكتاب ولا السنة، لم يَدّعِ يوماً الفضيلةَ ، بل عادةً ما تَغْلِبُه نفْسُهُ فيقارفُ إثماً يُطفيُء شهوتَه ثم يندم في حينه، أو يترك حقاً من حقوق الله لضَعْف إرادته ورِقّةِ دينه، لكن هُوَ كَما هُوَ ! لايدعي طُهُورية زائفة، ولا يَلبِسُ أقنعةً كاذبة.
تجده خجولاً إذا ما تحدّث الناسُ عن الدينِ والتقوى، مُنكسراً إذا ما جاء ذكر المعاصي و التوبة .
الثاني: يسمونه داعية !
يُحسن التعبيرَ عن الدين وأحكامه، وسردَ التاريخ ومناقبَ أعلامه ، يَحْمرُ وجْهُهُ، ويَجْلِب عليك بخَيِلِهِ ورَجْلِه إذا رأى خطأ أو سَمِعَ بخطيئة، يأمرُ الناسَ بالصدقِ والوفاءِ والعدلِ والرحمةِ و….. ثم تجده مُدلِّساً في النَقْلِ مُتَزِيداً في الحديث، جباراً مع المُخالِف، فاجراً في الخصومة، حسُوداً لأقرانه، يُخفي محاسَنَهُم وأن تَجلَّت في أبهى حُلّة، ويتصيِّد هفواتِهم وإن كانت عَفواً وزَلّة، مُضيعاً لحقوق أهله، مُتثاقلاً عن وَصْلِ رَحِمِه، يحزنُ إذا نَسِيَ الناسُ ذكْرَه، و يطرب إذا أطنبَ المعجبون من مدحه، يضيق صدرُه إذا سَبَقَهُ غيرُه لمَكْرُمة، ويحب أن يُحْمَدُ بما ليسَ مِنْ سَعْيِّه !
والله لهذا الداعية أحوجُ للتوبة من ذلك العامي !!
فالأولُ قارفَ ظاهرَ الإثمِ وهو يواري سَوُءَتَه ، والثاني استَمْرَأَ باطنَ الإثمِ مزهواً بِعمامَتِه، وما شَوّه مُحَيَّا هذا الدينَ العظيمَ إلا تَصدُّر أمثالِ هؤلاءِ للتعليم والإرشاد والتوجيه ، لأنهم قَدَّمُوا للناس تَدّيُنَاً مغشوشاً، اختلطت فيه نصوصُ الدينِ الصافية العلية، بنفوسهم المعلولة، وأغراضهمِ الدنيّة.
✍🏻 ونيس المبروك