ضيف الموقع

رحلة فكرية مع الشيخ أحمد الريسوني / أحمد صديق محمد

قبل فترة بدأت قراءة مؤلفات الشيخ أحمد الريسوني كمدخل لجهابذة الفكر المقاصدي في العالم الإسلامي هذه السلسلة المباركة الممتدة من الترمذي الحكيم للقفال للغزالي والعز؛ مرورا بواضع أعمدتها ومقيم صرحها ومجدد الدين بتشييدها الإمام أبي إسحاق الشاطبي الذي تفرد عن غيره من العلماء السابقين بتخصيص مؤلفات لمقاصد الشريعة وتوضيح غاياتها وأهدافها وعللها وأحكامها وما يترتب على تضييعها ونسيانها، ثم بمن تلاه من أهل المغرب والمشرق علي الرغم من أن أهل المغرب سبقوا في هذا المجال عن أقرانهم من المشرق كابن عاشور وعلال الفاسي وغيرهما.

فالشيخ أحمد تمكّن موروث هؤلاء الأعلام من فكر وعلم، لقد جمع الشيخ في طياته روح أصالة التجديد معا وفقه التراث وفهم الواقع ولم يغرق في تفاصيل الماضي بل إستصحب معه ماينفعنا ونحتاج اليه في زماننا كما تميز بمنهجه العلمي الرصين الذي لم يحذ عن القواعد الأصلية المتفقة فيه عند المسلمين فخصص مؤلفا كاملا حول نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي وأبعاد نظريته وجوانب التجديد والإبداع التي تميز بها الإمام الشاطبي، كعرضه لقضية قصد الشارع وقصد المكلف وعلاقة السنة بالقرآن وموقفه من المنكرين لتعليل أحكام الشريعة ثم ختم الريسوني موقفه من القراءات الحداثية لمقاصد الشريعة وأبدع في كتابه (الذريعة الى مقاصد الشريعة) الذي أوضح فيه أن الإسلام إنما جاء لمصالح العباد في الدارين وحيثما وجد الشرع فثمت المصلحة وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله، وماهي هذه المصلحة وكيف نقدرها ونعرفها وعلاقتها بفقه المآل.

كما تناول القضايا السياسية المعاصرة، ففصل فيها بعضا من كتبه مثل كتابه (الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة) قضية الحكم في الإسلام وأن من محاسن الإسلام أنه وضع مبادئا وتوجيهاتا عامة، وترك الشكل والهيكل للأمة حسب مقتضايات كل عصر وآن، فحتى الخلافة الراشدة لم تجمعها سوى المبادئ الكلية، والإسم ليس في ذاته فضل وبركة ولايكسب لأحد أيّ مزية أو شرعية إضافية وإنما الفضل والبركة في تحقيق المقاصد والمصالح ورفع الأضرار والمفاسد وأهم ذالك.

1:الشورى ابتداء وانتهاء وأول الشورى ان يختار الناس من يحكمهم.

2: المرجعية العليا للشريعة وعدم تبني مايعارضها.

3: إقامة العدل بين الناس.

4:تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة وأن أصحاب الولايات ليسوا أحرارا في تصرفاتهم وإن كان أمام أحدهم خياران بين ماهو صالح وأصلح لايجوز له، أن يأخذ بالصالح لأن تصرفاته مشروطة ومقيدة بما فيه المصلحة لمن هم تحت رعايته وأن الأمة من حقها أن تعزله اذا لم يخدم للشعب ولمصالحهم التي إختاروه له، وأن العلاقة بين الدين والسياسة ينبغي الا تخضع للرؤية الغربية ولايصح أن يكون لنا الغرب معيارا في التعامل مع هذه القضية لأن لهم ظروفهم الخاصة التي أدعت الى فصل الدين عن الدولة او تفريغ الدين من أي محتوى سياسي وحصره على بعض العبادات والشعائر التعبدية وهذه خصوصية لايجب تعميمها على مجتمع آخر، كما أن رفض برنامج حزب سياسي اسلامي لايعني رفضا للإسلام ومنهجه القويم وبعدا عن الدين والتدين بل هو رفض لمشروع ذاك الحزب الخاص الذي لم يستطع إقناع المجتمع على رؤيته السياسية.

وتناول بعمق العلاقة بين الدين والسياسة وبين الدين والفلسفة وأنهما لايتعارضان من حيث الأصل والمقصد ولكن لكل منهما مجاله الخاص ونقاطهما المشتركة فلا ينبغي إقحام أي قضية غير مجالها أيضا قضية الحرية ومفهومها وبعدها الفلسفي والتاريخي وأن الحرية ليست مجرد صفة مكتسبة او حق من حقوق الإنسان بل هي صفة ذاتية من صفاته الفطرية وإنتهاكها يعني إنتهاك للإنسان وكينونته.

كما تطرق الدين والتدين وماطرأ في الدين من أراء لم تعد من صلبه وصميمه فكان لزاما عليه أن يوضحها ويبينها للناس ليؤدي مهمته بأكمل وجه وإن عاداه المقلدون المتشبثون بكل قديم حتى وإن كان من تقاليد عبس وذبيان! ، فقضية التجديد في الدين وأهميتها للأمة وللدعوة الإسلامية في كل آن وحين لاتخفى على ذي علم وبصيرة وأن الدين ليس مجرد نظريات وآراء بل مشروع هداية للناس لإخراجهم من ظلمات الوهم الى نور المعرفة كما أنه ليس مجرد تاريخ قديم بل هو منهج إصلاح لحياة الناس وواقعهم المعاش وتحرير علماء الشرع من التبعية خاصة من التبعية العلمية للحكام والسياسيين التي تفضي الى السكوت عن الحق او تلميع صورهم وتبرير مواقفهم اولى خطوات التجديد ثم عن التدين ومدى حاجته الى تجويد وتحسينه وتفريغه من الشوائب التي لحقت به في تلك المسيرة الطويلة والفصل بين ماهو ثابت وماهو متغير وفق قواعد علمية سليمة.

كما خصص كتابا كاملا عن الثورة ومشروعيتها داخل الفكر الإسلامي وأبعادها السياسية والأيدلوجية المختلفة والإستبداد وعلاقته بالثورات عموما وبالربيع العربي خصوصا، وأن تلك الثورات كانت سلمية من حيث الأصل ولم ترفع الجماهير الا لافتات الإصلاح وتحسين الحياة، والإنزلاقات التي وقعت فيها لم تكن قرارات سياسية وآرى فقهية بل كانت قواعد ميدانية وقانون الدفاع التلقائي عن النفس، وأنها ليست ولم تكن يوما فتنة فالسبب الرئيسي لقيام الثورات كان الإستبداد وغياب العدل والحكم الرشيد وغياب دور المثقفين والعلماء أمام الطغاة قبل أن يطغوا ويتجبروا، كما أن هذه الثورات لم تكن مخططة لامن الغرب ولا من غيره كما يروجه البعض لغرض الإفشال والتشكيك في صحتها لأن الغرب هو من شيد هذه الأنظمة وموقف فرنسا في بداية الثورة التونسية خير شاهد ودليل وليس لهذه النظرية حجة الا إجماع الرؤساء فهذه بعض الملامح العامة حول مشروع الفكري للشيخ أحمد الريسوني.

المراجع:

1: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي.

2: تجديد الدين وتجويد التدين.

3: فقه الثورة.

4: الفكر الإسلامى وقضايانا السياسية المعاصرة.

5: الذريعة الى مقاصد الشريعة الإسلامية.

6: مقالات في الحرية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى