مقالاتمقالات أصولية

التدين المعكوس..

بقلم أ.د.أحمد الريسوني التدين المعكوس

‏20 يوليو، 2015‏

 بقلم أ.د.أحمد الريسوني- التدين المعكوس

وأعني به التدين الذي يَقْلب أصحابُه مراتبَ الشرع وقيمه ومقاصده وأولوياته، فيتشددون ويبالغون فيما خففه الشرع، أو لم يطلبه أصلا، ويهملون ويضيعون ما قدمه وعظمه. فتجد من الحرص والتزاحم على صلاة التراويح، وعلى تقبيل الحجر الأسود، ما لا تجده في فرائض الدين وأركانه. وتجد الإنفاق والإغداق في الولائم والضيافات والعمرة، مع تضييع فرائض الزكاة وحقوق الشركاء والأقارب والفقراء والمستخدمين …

وحين نقرأ ما في القرآن والسنة عن وحدة المسلمين وأخوتهم وتكاتفهم وتعاونهم، وما فيهما من نهي ووعيد وتحذير من التباغض والتدابر والتفرق، ثم ننظر ما عليه المسلمون، شعوبا وحكاما، ودعاة وعلماء، ومذاهب وحركات، نرى كثيرا من المسلمين قد عكسوا ذلك كله رأسا على عقب، وأنهم قد جعلوا التباغض والتفرق شريعة من شرائعهم، وجعلوا الاقتتال والتصارع شعيرة من شعائرهم. ومثل هذا نجده حين نرى ما جاء به الإسلام من طهارة ونظافة ونقاوة، تتصدر أحكامُها وآدابها كافة كتب الفقه والشريعة، ثم ننظر في عالم المسلمين مغربا ومشرقا، فنرى حواضرنا ومدننا – بشوارعها وحدائقها وساحاتها وأسواقها – غارقة في الأوساخ والأوحال والأزبال.ويظل المسلمون يترددون على مساجدهم وصلواتهم، ويسمعون أئمتهم يقولون ويعيدون: سووا صفوفكم، استووا واعتدلوا، وإن الله لا ينظر إلى صف أعوج…، ولكن قلما تخلو صلاة من صف أعوج، وقلما ترى المسلمين عند الأبواب والشبابيك وغيرها من مواطن الازدحام، إلا في حالة فوضى وتدافع، يموج بعضهم في بعض ويدوس بعضهم، نساء ورجالا..3

التدين المحروس وأعني به التدين الذي لا يلتزم به أصحابه بواجباتهم، إلا بالمراقبة والمطالبة والملاحقة، ولو تُركوا لتَركوا. فهم ممن يصدق فيهم قول الله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} آل عمران/75. فكثير من المسلمين المتدينين، المبادرين إلى الصلاة والصيام والحجاب واللحية والسبحة، تجدهم في الوقت نفسه، متهربين متملصين من أداء حقوق الناس عليهم، أوْ لا يؤدونها إلا بكثير من المماطلة والإعنات لأصحابها. مع أن الفقهاء لا يفتأون يرددون: حقوق العبد مقدمة على حقوق الله. وعلى سبيل المثال، فإن المقترض أو المستعير، الذي يرد العارية والقرض في أجله وبدون طلب، قد أصبح من نوادر الزمان، بين المسلمين من أهل القبلة والصيام والازدحام في التراويح… وأما ”مذهب الجمهور”، فهو تناسي الدين والعارية، وعدمُ ردهما بالمرة، أو ردها، لكن بعد فوات الأجل، أو بعد ملاحقات وتوسلات وتسويفات.وأما إذا كان العمل المطلوب أداؤه، يدخل في الحقوق والمصالح العامة، أو كان من الواجبات الكفائية، التي تُبنى بها الأمم وتنهض، فإن الإهمال والتفريط فيها، هو السلوك المتعارف عليه عند معظم إخواننا المتدينين، بمن فيهم كثير من أبناء الحركة الإسلامية، وقلما يؤديها أحد من غير أن يكون واقعا تحت المطالبة والمحاسبة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى